يسعدنا تواجدكم ونتمنا لكم قظاء اجمل الاوقات

قائمه المواضيع

هل لإكتئاب و إضطرابات المزاج كيمياء

الثلاثاء، 23 نوفمبر 2010 , Posted by غـــيــر حــيــاتك at 8:02 ص







هل المزاج كيمياء؟
* بقلم: إيروكاسترين/ ترجمة: خالد عبدالناصر
* مراجعة: د. إيهاب عبدالرحيم محمد
تقترح الفرضية الكيميائية للإكتئاب أن إضطرابات المزاج تنشأ عن خللٍ في التوازن الكيميائي في الدماغ، والذي يمكن تصحيحه بالعقاقير المضادة للإكتئاب. وعلى أية حال، فإنّ الأدلة الحديثة تشير إلى أنّ مشكلات في معالجة المعلومات ضمن الشبكات العصبية، يمكن أن تكون أساساً للإكتئاب، وليس تغيّرات في الإتزان الكيميائي، وأنّ العقاقير المضادة للإكتئاب تُحَرِّض تغيّرات مرنة في اتّصاليّة الخلايا العصبية (العصبونات)، مما يؤدي تدريجياً إلى تحسنات في معالجة الخلايا العصبية للمعلومات وشفاء المزاج.
لقد تم إكتشاف أوّل مضادات الإكتئاب بالمصادفة منذ حوالي خمسين عاماً، عندما اكتُشِف أن عقاقير كان تم تطويرها من أجل اضطرابات أخرى، تعمل على رفع المزاج لدى المرضى النفسيين. وبعد ذلك بقليل، اتضح أنّ العقاقير ذات النشاط المضاد للإكتئاب ترفع التركيزات الخارج خلوية لناقلين عصبيين هامَّيْن في الدماغ من أحاديات الأمين – السيروتونين (5- هيدروكسي تريبتامين: 5HT) والنورأدرينالين – عن طريق تثبيط تقويضهما (catabolism) أو استرجاعهما بواسطة النهاياة العصبية مثّلت هذه الإكتشافات أساساً لفرضية. أحاديات الأمين للإكتئاب، والتي تفترض أن اضطرابات المزاج تنشأ عن عَوْز السيروتونين أو النورأدرينالين في مواقعَ مستقبلة هامة وظيفياً في الدماغ.
وسرعان ما بات واضحاً أن فرضية أحاديات الأمين، في صيغتها الأصلية، لا تستطيع تفسير كل تأثيرات مضادات الإكتئاب، ولذلك انصب تركيز الأبحاث على المستقبلات وجزيئات نقل الإشارات داخل الخلية، والتي تم تنظيمها بالعلاج المضاد للإكتئاب. وبالإضافة إلى ذلك، وإنطلاقاً من أن اضطرابات المزاج كثيراً ما تصيب أفراد العائلات أنشئت، الدراسات الوراثية عن الجينات المحتمل إرتباطها بهذه الإضطرابات العائلية، ويأمل الباحثون في إكتشاف الوظيفة في مرضى الإكتئاب. ويبدو أنّ الإستراتيجيات هذه مبنية على توسيع فرضية أحاديات الأمين – وهي الفرضية الكيميائية للإكتئاب التي تفترض أن اضطرابات المزاج تنشأ عن تغيرات بنيوية أو وظيفية في جزيئات بعينها في الدماغ، وأن مضادات الإكتئاب تعمل عن طريق معاكسة هذه التغيرات الجزيئية. وطوال العقود القليلة الأخيرة، أصبحت وجهة النظر القائلة إنّ الإكتئاب ناشئٌ عن خلل في التوازن الكيميائي في الدماغ، مقبولة بين العلماء والأطباء الممارسين Clinicians والعوام.
وعلى أية حال، فقد أوضحت الملاحظات العديدة خلال العقد الماضي، أنّه ربّما توجد فرضية بديلة للنظرية الكيميائية للإكتئاب. وتفترض فرضية الشبكة هذه أن اضطرابات المزاج تعكس مشاكل في معالجة المعلومات داخل شبكات عصبية بعينها في الدماغ، وأنّ العقاقير المضادة للإكتئاب، وغيرها من العلاجات المخفِّفَة له، تعمل عن طريق تحسين معالجة المعلومات تدريجياً داخل تلك الشبكات. يناقش هذا المقال الأدلة المؤيدة والمعارضة لفرضية الشبكة، وعواقبها على تطوير الأدوية، وعلاج إضطرابات المزاج.
- الفرضية الكيمائية:
سنحتفل قريباً بالذكرى السنوية الخمسين لإكتشاف مضادات الإكتئاب، على الرغم من الجدل حول التاريخ والمكان المضبوطين للإكتشاف. وُجِد أن عقار الإيبرونيازيد Iproniazid الذي تم تسجيله كعلاج للدرن (السل) يرفع المزاج لدى المرضى الذين تلقوه، وأظهرت الدراسات اللاحقة على مرضى الإكتئاب غير المصابين بالدرن فعاليته كمضاد للإكتئاب. تزامن مع هذا، وبصورة مستقلة، إكتشاف أن للإميبرامين Imipramine - وهو مضاد تجريبي للهيستامين، له بنية ثلاثية الحلقات – تأثيرات مضادة للإكتئاب. أدت هذه الإكتشافات إلى ثورة في تعرّف وعلاج اضطرابات المزاج. وبالنظر إلى الماضين يبدو طرح الإميبرامين في الأسواق، بعد إكتشاف تأثيراته المضادة للإكتئاب بسنوات طويلة، عصيِّاً على التصديق، والسبب الأساسي في ذلك أنّ الشركة المنتجة له لم تكن متأكدة من أن عدد المرضى الذين سيستفيدون من العلاج المضاد للإكتئاب مرتفع بما يكفي. يبدو هذا الآن غير معقول، إذا اعتبرنا التقديرات الحالية بأن نوبات الإكتئاب الكبرى Major depression الإضطراب المنفرد الأكثر تكلفة بين ما تواجهه المجتمعات الغربية، وأن مضادات الإكتئاب – بصفة عامة – تصنّف بين العقاقير الأفضل مبيعاً.
وبعد هذا الإكتشاف بقليل، وجد أنّ الإميبرامين والإبرونيازيد يزيدان التركيزات خالج الخلوية لناقلين عصبيين هامين – السيروتونين والنورأدرينالين – في الدماغ، عن طريق منع استردادهما من قبل النهايات العصبية (الإميبرامين)، أو بتثبيط إنزيم إستقلابها الرئيسي – أكسيداز أحاديات الأمين – (الإبرونيازيد). وحيث إنّ العقاقير التي تخفف الإكتئاب، ترفع التركيزات خارج الخلوية لأحاديات الأمين، فقد افتُرض أنّ الإكتئاب ربّما يكون ناشئاً عن عوز السيرتونين أو النورأدرينالين في مواقع مستقبلة هامة وظيفياً في الدماغ، ويعرف هذا الإفتراض حالياً بفرضية أحاديات الأمين للإكتئاب. في البداية، واجهت فكرة أن اضطراباً نفسياً معقداً مثل الإكتئاب، يمكن أن يكون ناشئاً عن تغيرات كيميائية حيوية، تشككاً واسعاً بين الأطباء النفسيين وعامة الناس. وبرغم هذا فقد أثرت هذه الفرضية بقوة – خلال العقود القليلة الأخيرة – في وجهات النظر حول الفيزيولوجية المرضية Pathophysiclogy لإضطرابات المزاج، ليس بين علماء الأدوية فقط، ولكن بين الأطباء الممارسين والعلماء الآخرين والعامة أيضاً.
ركّزت فرضية أحاديات الأمين إهتمام صناعة الأدوية لعقود على إستقلاب أحاديات الأمين. تمّ الآن إستبدال الإميبرامين – الذي يثبط إسترجاع كلٍ من السيروتونين والنورأدرينالين (ومستقبلات وإنزيمات أخرى متنوعة) – بمجموعة من الجزيئات تثبط إسترجاع إما السيروتونين أو النورأدرينالين بطريقة أكثر انتقائية، كما أفسح الإبرونيازيد – الذي يثبط إنزيم أكسيداز أحاديات الأمين: وهو الإنزيم الرئيسي لإستقلاب أحاديات الأمين – الطريق أمام مثبطات أكسيداز أحاديات الأمين النوعية للأنماط الفرعية من الإنزيم. وعلى الرغم من النجاح الواضح لهذا الجهد المركَّز لتطوير الأدوية من حيث الأمان، إلا أنّه بات أقل نجاحاً من حيث الكفاءة. فمضادات الإكتئاب الحديثة ليست أكثر كفاءة من عقاقير الجيل الأوّل، التي اكتشفت منذ عقود عديدة، ولا يزال العلاج بالتخليج بالصدمات الكهربية هو الأكثر فاعلية في علاج الإكتئاب.
لقد تم التعرف مبكراً على أن ملاحظات عديدة تتناقض والإرتباط البسيط بين تركيزات أحاديات الأمين في الدماغ، والإكتئاب. على سبيل المثال، فإن نفاد (depletion) التريبتوفان المستمد من الغذاء – الذي يقلل بدرجة هامة من تركيز السيروتونين في الدماغ – قد لا يُحدِث أي تأثير، أو يسبب إنزعاجاً خفيفاً فقط لدى المتطوعين الأصحاء، لكنّه لا يؤثر في المزاج لدى مرضى الإكتئاب غير المعالجين. الأهم من ذلك، أنّه على الرغم من أن آثار مضادات الإكتئاب على إستقلاب أحاديات الأمين، يمكن ملاحظاتها بعد تناولها بقليل إلا أن ظهور الإستجابة السريرية المضادة للإكتئاب عادة ما يستغرق أسابيع عديدة من العلاج المستمر. وقد جعل إكتشاف أنّ العلاج طويل المدى بمضادات الإكتئاب، يُحدث تغيّرات تكيُّفيَّة في مستقبلات أحاديات الأمين وفي اقترانها بنقل الإشارات العصبية داخل الخلية، المعالجات البحث تتحول تجاه تأثيرات المعالجات الطويلة المدى بمضادات الإكتئاب، على تركيزات الببتيدات العصبية، وعوامل النمو ومستقبلاتها، والجزيئات المرسلة للإشارات داخل الخليّة. ونتيجة لهذا الفتح، تطوّرت فرضية أحاديات الأمين إلى ما يمكن تسميته بالفرضية الكيميائية أو الجزيئية للإكتئاب. تسلم هذه الفرضية بأنّ إضطرابات المزاج تنشأ عن تغيّرات طويلة المدى في إنتاج أو نشاط جزيئات في الدماغ، وأن مضادات الإكتئاب تعمل بمعاكسة هذه التغيّرات الجر. دفعت هذه الفرضية الباحثين إلى أن يستخدموا بحوث واسعة النطاق المصفوقات الدنا المكروية، للتنقيب عن الجينات التي يتم تنشيطها أو تثبيطها في الإكتئاب، أو بواسطة العلاجات المضادة للإكتئاب، آملين أن تُستخدم الجزيئات التي يتم تشفيرها بهذه الجينات، كأهداف في تطوير عقاقير جديدة مضادة للإكتئاب.

التعليقات 0 اكتب تعليقك على الموضوع: